المشاركات

حبيبتي تنهض من نومها (مقتطفات)

صورة
  بعض المقطتفات الفاتنة من الديوان: * حبيبتي.. فتَّشتُ عنها العيون فلم أجدها. لم أجد في الشجر خضرتها.. فتَّشتُ عنها السجون فلم أجد إلا فتاتَ القمر فتَّشتُ جلدي.. لم أجد نبضها ولم أجدها في هدير السكون ولم أجدها في لغات البشر * لكل مناسبة لفظة ولكن موتَك كان مفاجأة للكلام وكان مكافأة للمنافي وجائزة للظلام * الشمس كانت تجتسي ظِلَّنا * أكلتْ فرسي، في الطريق، جراده مزَّقتْ جبهتي، في الطريق، سحابه صلبتني على الطريق ذبابه! فاغفري لي.. كل هذا الهوان، اغفري لي انتمائي إلى هامش يحترق! واغفري لي قرابه ربطتني بزوبعة في كؤوس الورق واجعليني شهيد الدفاع عن العشب والحب والسخريه عن غبار الشوارع أو غبار الشجر عن عيون النساء، جميع النساء وعن حركات الحجر. واجعليني أحب الصليب الذي لا يُحب واجعليني بريقًا صغيرًا بعينيك حين ينام اللهب!                                  * ثم قالوا: هي الحرب كرٌّ وفرٌّ.. ثم فروا.. وفروا.. وفروا.. وتباهوا.. تباهو...

كيف تتذكر أحلامك (مراجعة)

صورة
إن الحلم صوت الإله، وهو تيه الشارد، وصاحب المحزون، وخبل العاشق، وجهاد الثائر. وهو كذلك، في أصله، فراغ أبيض كبير يبحث الإنسان بداخله عن صورته الأولى.  واﻷحلام كمتاهة، كلما أردت الفكاك منها أجابتْكَ بجدار جديد. وبعد لأي ومثابرة تنهكك الممرات، ويصيبك الدوار، فلا تتذكر منها شيئًا، وتعود أدراجك تجر أذيال الخيبة وفي قلبك شيء غامض منها. شذراتُ صورٍ يعتريها غبارُ سفر طويل من محطة الخيال إلى عالم الواقع. ذلك الجدار الهش الذي يرسمه البالغون بين الحقيقة وأوهام الأحلام يتحطم عند أول محاولة إنسانية جادة لتعريفها؛ فما اتفق البشر قط على ما هو جوهري أو أبدي، وتصارعتْ "الحقائق" فيما بينها بشكل يوحي بعجز الإنسان عن إدراكها. يبقى الأطفال وحدهم ذلك الجسر المذهل بين العالمين؛ حيث لا يجدون غضاضة في جمع المتضادات. ربما فطن الأطفال لما عجز معظم الكبار عن إحاطته. وفي الأحلام معيّةٌ، ورفقةٌ ممتدة: أشخاصٌ اندثروا أو أفكارٌ تتدفق، أو كما يصدف نادرًا، روحٌ من الكون. والصحبة هي أمان البشر التي بدونها تَتقاذفهم رياح الريبة والذعر. وبين الحالم وحلمه علاقة قدسية، لا تدنسها الآراء؛ فلا شاهد على الحلم إلا صاحب...

الطفل الذي بقلبي

صورة
  هناك طفلٌ صغيرٌ يربضُ في ركنٍ قصيٍّ من قلبي، ينتظرُ حظَّهُ من الحياة بالرغم من كل شيء. يريد أن يتمعن العالم، أن يتأمله بروية وأن يتوقف عقله عن الركض. يريد أن يقطتف ثمار المعرفة ثمرة ثمرة، غير عابئٍ أيها محرم وأيها مستباح. يراقب حركة الكون الدؤوبة، عن كثب، في ذهول وافتتان. يعيد اكتشاف نفسه والعالم يوميا بعين شغوفة تتلذذ أكثر الأشياء عاديةً، وأكثرها تكرارًا:  رائحة الخشب، ملمس الورق، ضحك القلوب، تبسم العيون، نظرات المحبين، نقاشات العصافير، وشوشة الأنهار، غناء الرياح، تلوّن السماء، توتر السحاب المتهادي محمّلًا بالخير. حتى القمر والشمس، والليل والنهار؛ لأنه يدرك أن الجمال يقطن قلبه لا الأشياء، وأن الجمال خجول يحتاج إلى صبر حتى يعرب عن نفسه.  طفلٌ يريد أن يبتلع فتنةَ الحياةِ بعد أن يلوكها على مهل، لتنسيه وجومَ صاحبِه الدائم. أن يسند وجنته إلى كف الوجود الحنونة، فإذا اطمئن، اقتات حكايات الجدات السحرية، ورشف القصائد والملاحم منذ جلجامش وحتى راسكلينكوف، وسامر تماثيل الرخام والبازلت، وتماهى مع ضربات الفرشاة بين يدي الآلهة. فهو هكذا كالأساطير؛ يصعب تصديقه لكن وجوده أزلي وطاغ. يكت...

سِفر الظلال

صورة
  في البدء، وقبل كل شيء،  كان الظلام،  وخُلِقتُ أنا ظلًا.  و كظلٍ،  ذوبتُ في الغسق. وفي البحر الأسود، تهادى وجودي العذري، في سلامٍ، مستقرًا على القاع. ثم حدثتْ الأشياء، وانبثق من العتمة نورٌ،  وبقيت أنا، على حالي، ظلًا. لكن ما تغير حينها،  وللمرّة الأولى،  أنني ميزتُ وجودي. وتلك كانتْ الخطيئة الأولى. عدنٌ كانت الظلام، وكنت أنا ظلُّ آدم.  وعندما هوى إلى الأرض، تكشّفتْ لي سوءتي: أدركتُ،  للمرة الأولى، أنني، أنا. ارتجفتُ. طفقتُ اتدثر باللّيل، وحاولتُ، عبثًا، أن ابتلع النجم. لكن وعيًا لم ينحسر، وقلبًا لم يهدأ.  صرختُ: لماذا؟! لَمْ أشعر بقلبي يرتج، أو سمعته يبكي، قبلًا، فلِمَ الآن؟ ولمْ يجف حلقي، ولمْ يتدافع اللُهاث، حارقًا، في صدري، قبلًا، فلمَ الآن؟ والآن:  صرتُ أسمع وأرى، صرتُ أتحدث وأتحسس، صرتُ مرئيًا. وقعتُ في الخطيئة،  ولمْ أرتكبها.  لقد فعلها آدم،  فما ذنبي؟!  وأنا؟ أنا لمْ أشتكي، ولمْ أنشد معرفةً مُحرَّمةً، ولمْ أقرب ثمرة الخلود. كل ما أردته: أن أكون،  في سلام. دون تعقيد، أو تكليف. ألّا تُعرَف حدود ج...

حرائق صغيرة في كل مكان (مراجعة)

صورة
  لا يُحتمل بأي حال من الأحوال اختزال رواية حرائق صغيرة في كل مكان إلى رواية مكان فحسب. ولكن بالرغم من ذلك لا يمكن تجاهل الحضور الطاغي والمستمر لمدينة "شايكر هايتس" على مسرح الأحداث.  فكما يقول عالم الإجتماع البولندي زيجمونت بومان:  "حول الأمكنة تتشكل التجربة البشرية وتُكتشف، وتُدار مشاركة الحياة، ويتشكل معناها، ويُستوعب، ويُتفق عليه؛ وحول الأمكنة، ومن الأمكنة، تتشكل الدوافع والرغبات البشرية، وتتبلور، وتعيش على أمل التحقق، وتُخاطر بالتعرض للإحباط والإخفاق."    الأزمنة السائلة؛ صــــ 97،98 وتتكشف الأحداث هنا بما يجعل لـ"مدينة شايكر" ذلك الطابع الميثولوجي في خلفية الأحداث. فالمدينة هنا كائن أسطوري بتاريخ ذي معنى وهدف، لا يقل أهمية عن معماريتها أو الخدمات المتوفرة بها. وتمثل المدينة بتاريخها وقواعدها هويةً لساكنيها وأسلوبًا حياتيًا كاملًا. وما يعزز محورية المكان في نسيج القصة هو المقال الذي استهلت به "سيلست إنج" الكتاب؛ فالمقالُ المنشور في جريدة الـ"كوزموبوليتان" يحمل طابعًا تبشيريا إلى حد بعيد، ووعد بحياة يوتيوبية في مدينة "شايكر هاي...

وغادرت الغزلان!

صورة
إلا غزالة نحيفة بقيتْ.. في الركن الأبعد منه، بقيتْ. لازمَ زمنًا حُجراتِ قلبي وادٍ أخضر. آوى في سهله قطيعًا من الغزلان. كُنَّ يضحكن، وكُنَّ يرقصن، وكانت حوافرُهنَّ مُحنَّأةً، تدق كالطبول في رأسي. كُنَّ مؤنساتِ صمتي. ثم حدث أن اجتاحتني عاصفة، لم تخلِّف وراءها إلا بردًا ووحلًا وغصونًا مهشمة.  أزَّ خطو القطيع يُعمِل حوافره في بقايا الأغصان المذعورة، يفتتها، في طريقه مغادرًا.  اتجهتْ الغزلان إلى البحر، التفتتْ خلفها للحظة.. ثم رحلتْ، ولم تمشِ على الموج!  صار صدري مهجورًا، كمرعً يابس.. ارتدى عباءة من ظلام، وهجرَه الرقص. إلا غزالة نحيفة بقيتْ.. في الركن الأبعد منه، بقيتْ. تلعق جروحها وهي ترتجف، ومن وقت لآخر تنفخ في ناي مشروخ لتذكرني أنها لا تزال هنا، تنتظر عودة الرفاق. 

حارس سطح العالم (مراجعة)

صورة
  "حارس سطح العالم"  بثينة العيسى.   إن الغريب -والمبهر- في تلك الرواية، أنك لن تستطع أن تخوض غمارها، أو تستمتع بها، دون تأويل النص. وكأن الكاتبة أرادتكَ شريكًا في الجريمة منذ السطر الأول؛ تستغرق في الرمزية والاستعارات، تبحث عما وراء العبارات والجمل، وبدون أن تدري ستتورط حتى أذنيك في خلق المعنى، وبالتالي لستَ بريئًا مما تستنبط؛ فأنت تلقن النص دلالاتِكَ كما يلقنك دلالاتِه تمامًا. اللغة هي موسيقى الحكايا، وهنا كانت متناغمة، قاسية أحيانًا وأخرى ناعمة، متماهية مع النص حد الاختفاء، وهو الشيء الصعب. عاونني هذا في أن أتماهى بدوري مع القصة: فلقد رقصتُ وبكيتُ على أنغام الرواية؛ شعرتُ أني عارٍ أرقصُ مع زوربا، تخبط قدماي الأرض بشدة، ومع ذلك لا يُسمَعُ إلا صوت الموسيقى. ألس وبينوكيو، صديقا الطفولة، نُفخِتْ فيهما الحياةُ فبُعِثا بين دفتي الكتاب. و عينا الأخ الكبير حاصرتني من كل اتجاه، حتى أمسيت مقتنعًا أني دمية. واختنقت بدخان عيد التطهير مغصوصًا وغاضبًا على من يحرق الكتب والماضي معها. وأنا بين كل هذا وذاك مستمتعٌ ومستغرقٌ في التأويل، بتهور سرطانات المعارضة وحذر حارس المكتبة. لقد قاربت...